موضوع: وقفات مع قصة يوسف عليه السلام الإثنين أبريل 06, 2009 7:48 am
وقفات مع قصة يوسف عليه السلام
إن قصة يوسف عليه السلام من أعظم القصص التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، وفيها عظات وعبر عظيمة للشباب الذي تواجهه اليوم كثير من أسباب الانحرافات والفتن، وقد واجه نبي الله يوسف الفتن في حالتي السراء والضراء، ولكنه اجتاز هذه الفتن بفضل الله ولجوئه إليه؛ فرفعه الله في الدنيا والآخرة، واصطفاه وجعله ممن يقتدى بهداه.
برهان الله الذي رآه يوسف عليه السلام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال الله عز وجل في قصة يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:24] أي: رأى علامة على لزوم ترك هذا الأمر، وقد قيلت أقوال كثيرة في بيان هذا البرهان، وكلها لا دليل عليها، والصحيح: أن نطلق البرهان كما أطلقه القرآن. فقد قيل: رأى آيات من القرآن مكتوبة على الجدار، ولعلها معاني بعض آيات القرآن مما كان موجوداً في الكتب السابقة. وقيل: إنه رأى يعقوب عاضاً على إصبعه. وقيل إنه قرأ: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32]. والظاهر -والله أعلم- أنه رأى علامة بينة -يعني أراه الله عز وجل برهاناً ربه من عنده عز وجل، ولم يكن البرهان ظاهراً لمن عنده، وليس المراد بربه هنا العزيز ، بل الله سبحانه، أي: رأى دليلاً وعلامة من عند الله عز وجل. ......
سجن الظالمين أهون من سجن الهوى
ثم قال تعالى: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ [يوسف:35] ليس للنساء فقط بل للكل، للنساء وأزواجهن والملأ، بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ [يوسف:35] أي: علموا براءة يوسف عندما رأوا قميصه قد من دبر، وعرفوا تماماً أنه بريء، ومع ذلك رأوا أن إسكات القضية تكون بسجن يوسف، وذلك حفاظاً على سمعة امرأة العزيز ، وقد أقنعتهم بكيدها ومكرها أن يسجن يوسف حتى تنفذ تهديدها له، بقولها: لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32]، ويوسف عليه السلام لو استجاب لها لكان في سجن الهوى وهو أشد، ولصار من الصاغرين فعلاً، ولو استجاب لها لصار هناك طابور طويل ينتظر الدور، وليست امرأة العزيز وحدها، وإنما كما قال عز وجل عنه: (( وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ )) يعني: أن البداية ستكون مع امرأة العزيز ثم مع هؤلاء النسوة، وستكون صورة فظيعة غير محتملة لو فعل، لكن الله عز وجل ثبته، فنسأل الله أن يثبتنا! وقوله تعالى: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ [يوسف:31] أي: أعظمنه، وهبنه في قلوبهن، فله هالة عجيبة، وهكذا المؤمن الصادق عندما يراه الكفرة صامداً يكون له عندهم قدر من التعظيم. وكما قال الله عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33] فقد كانوا يقولون عنه: أمين، فـأبو سفيان مع كل العداوة التي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، عندما سأله هرقل : هل جربتم عليه كذباً؟ قال: لا. يعني: أنهم يشعرون بعظم منزلته ومكانته. فالنساء أكبرن يوسف وأعظمنه، فله هيبة وجلال، ولما رآه الملك قال: (( إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ )) ومعنى مكين: أي: ذو مكانة، وأمين أي: مستأمن. ......
كذب إخوة يوسف
ثم قال تعالى عن إخوة يوسف: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف:77] وهذا كذب عليه، وهم كذابون في هذه القضية، فسيدنا يوسف لم يسرق قبل ذلك، وفي الأخبار الإسرائيلية قالوا: إنه سرق صنماً لجده أبي أمه فكسره وهو صغير، وقالوا: اتهمته عمته أخت إسحاق -وقد كانت تحبه حباً عظيماً- بسرقة منطقة إسحاق حتى تأخذه لديها، وكانت تحتضنه ولا تريد أن يرجع إلى يعقوب، وهذان الاحتمالان ضعيفان؛ لأنه لا يجوز أن نتهم صهر سيدنا يعقوب بأنه كان يعبد الأصنام. وأيضاً: فإن عمته بنت نبي وأخت نبي وعمة نبي، فلا يمكن أن نتهمها بالكذب، فتقول: إن يوسف هو الذي سرق المنطقة؛ لكي تأخذه من أبيه، وقد كان في شريعتهم: أن من سرق شيئاً دفع إلى المسروق منه، فقالوا: كانت تريد أن تأخذ يوسف لتحتضنه، فحيلة منها أتت بمنطقة إسحاق التي عندها فلفتها على وسطه لكي تأخذه، ففتشوا من الذي أخذها فوجدوها على يوسف فأخذته إلى أن ماتت. وهذه الأخبار الإسرائيلية هي أولى بالرد من القبول؛ لأن هذه تهمة لابنة نبي وأخت نبي وعمة نبي، فلا يجوز ذلك عليها، والصواب: أنهم كذبوا في اتهامه بالسرقة كما كذبوا من قبل في قولهم: فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ [يوسف:17-18]، وبسبب الحقد العظيم الذي في قلوبهم كذبوا عليه بعد سنين كثيرة، وما تخلصوا من الحقد إلا لما انكسروا، وأول كلمة ندم بدأت تظهر منهم هي قول كبيرهم: وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ [يوسف:80] وهذا هو أول شعور بالتفريط بعد سنين كثيرة، لكن إلى اللحظة الأخيرة كان لا يزال عندهم حقد على يوسف، وتشفوا بأخيهم الثاني، وحتى لو كان فعلاً قد حصل هذا من يوسف فما كان ينبغي لهم أن يظهروا هذا الأمر لعزيز مصر، وهو رجل غريب أجنبي، وكأنهم أرادوا بقولهم ذلك: أن السرقة عريقة فينا، وبعد هذا قالوا: (( فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ )) وهذا شيء عجيب جداً!! فالحقد يعمل في الإنسان أشياء سيئة جداً، فكيف يقولون: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف:77]؟! هذا هو الحقد الدفين. ......
محمد عبد الله Y
الجنس : نقاط : 6983
موضوع: رد: وقفات مع قصة يوسف عليه السلام السبت أبريل 11, 2009 6:09 pm